التصميم الداخلي والحكاية
كانت المرأة هى من تهتم بديكور المنزل خلال القرنين السابع والثامن عشر، وأحياناَ، يشارك الحرفى بتقديم المشورة بشأن الأسلوب الفنى للمساحات الداخليه، ومع ظهور الثورة الصناعيه فى القرن التاسع عشر، ونمو الطبقه المتوسطة ورغبتها فى إظهار وضعها الجديد، ودخول شركات الأثاث مجال التصميم الداخلى والديكور والذى استمرحتى عام 1914، وتزامنا مع الحرب العالمية الأولى و،تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، بدأ الظهور التدريجى للمصممين المستقلين والهواه، حتى تم إنشاء الجمعية الوطنية لمصممى الديكور الداخلى بأمريكا فى عام 1957 ، وبعدها بسنوات قليلة، تم انشاء جمعيه لنفس الغرض بإنجلترا فى عام 1966 ، وقبل ذلك بآلاف السنين، أظهرت الحضاره المصرية والعراقية شغفها بالألوان والجمال، وليس الحديث عن تاريخ نشأه التصميم الداخلى والديكور، فهذا شأن المؤرخين والخبراء المختصين، ولكن ،نستنتج مما سبق:
أن التصميم الداخلى الذى بدأ ينتشر هذه السنوات، هو علم جديد نسبياَ، لا يزال قيد التطوير، لذلك، فهو جاذب ومحير ومربك -أحيانا- للجمهور، تم تسميته قديماً بالديكور الداخلى ويسمى الأن فى الوطن العربى التصميم الداخلى، بينما يسمى بالعمارة الداخلية فى بعض البلدان الغربية التى أُسس فيها التخصص بصورة جيدة
التفاعل والناس
وبناءاً على ماذُكر، بأن التصميم الداخلى هو مجال جديد نسبياً لم يتجاوز عمره مئة عام، حيث لاتزال الأغلبية من الجمهور فى الوطن العربى، لم تتفاعل معه، بينما الأقليه التي تفاعلت معه، لايزال يراودها الشكوك فى أهميته، ومدى الحاجة إليه، بالإضافه إلى بعض المخاوف الإقتصاديه المتعلقه بالإعتماد عليه، وذلك باستثناء بعض أصحاب الأنشطة التجارية الذين اعتمدوا على مصممين، وذلك لمعرفتهم بالقيمه الحقيقيه للتصميم الداخلى على مستوى الجمال والوظيفة، وفي الوقت ذاته، لايمكن تغافل نسبة- وإن كانت بسيطة- من ملاك المنازل الذين وعوا لأهميته واستعانوا بمصمم داخلي.
أعتقد أن أقل من 5% من الجمهور المصرى استعانو بالتصميم الداخلى عند تأسيس منازلهم، وتزيد هذه النسبه فى السعوديه مثلا، وتزيد أكثر فى الإمارات، ولكنها تزيد أكثر وأكثر لأصحاب الأعمال أثناء تأسيسهم لإنشطتهم التجارية.
ومن الملفت، أن حجم الطلب علي هذا السوق زاد بشكل هائل في الآونة الآخيرة، فحسب موقع الاحصاءات العالمي ستاتيستا.كوم ، فقد بلغ حجم السوق في عام 2020 ، مايقارب من 115 مليار دولار، وبالمقارنة بحسب ما نشر بجريدة الرياض السعودية ، فأن المملكة العربية السعودية تعد من أكبر الدول شراءا لمنتجات التصميم الداخلي في المنطقة، وذلك بقيمة سوقية داخلية تبلغ 13 مليار ريال تقريبا ، وهي ارقام محفزة، ومثيرة.
الجذور
قد ترجع أسباب عدم اعتماد الأغلبيه من الجمهورعلى التصميم الداخلى، إلى حداثة هذا العلم، وهو أمر طبيعى، كما حدث سابقا مع علوم الإدارة وعلوم التكنولوجيا والطاقة، وقد ترجع لأسباب أخرى، مثل عدم تأسيس تخصص التصميم الداخلى فى الجامعات العربيه بشكل قوى، وبالتالى قلة المتخصصين والخبراء فى هذا المجال، ومايشكله من دور كبير فى التوعية بمفاهيم وأساسيات المجال وأهميته، لذا يظل أحد الجذور الرئيسية لعدم اعتماد غالبية الجمهور على التصميم الداخلى، هو ندرة المعلومات التي يتم تداولها بشكل متكرر على الجمهور، وعلى الجانب الأخر، هناك البعض اللذين سبق لهم التفاعل مع هذا المجال، من خلال الانترنت والمواقع المختصة، أو حتى عن طريق مشاهدة بعض المنازل لأصدقائهم، ممن اعتمدوا على تأسيس منازلهم بالتصميم الداخلى، ولكن تظل العديد من الاستفهامات والتخوفات من الإعتماد عليه مطروحه أثناء رحلتهم في تأسيس منازلهم.
ولذا، سأقوم بتحليل العوامل الرئيسيه، التى تعوق اعتماد هذا الجمهور على التصميم الداخلى ، بشكل اكثر تفصيلاً ، محاولاً إزالة هذه
الحيرة والغموض.
بين الحيرة والمفاهيم يظهر التباين
ولكن، قبل تحليل العوامل الرئيسية لعدم الإعتماد على التصميم الداخلى ، دعنا نوضح أولا، ماهو التصميم الداخلى ؟
يعرف المختصين التصميم الداخلي، بالإدراك الواعى بلا حدود لكافة الأمور المعمارية ، ولاسيما الداخلية منها، وللخامات وماهيتها، وكيفية استخدامها، وهو المعرفة الخاصة بالأثاث، ومقاييسه، وتوزيعه فى الفضاءات الداخلية حسب أغراضه وكيفية استعماله، وكذلك المعرفة بأمور التنسيق الأخرى اللازمة، كالإضاءه وتوزيعها وتنسيقها، والإكسسورات المتعددة الأخرى اللازمة للفضاء حسب وظيفتها.
يعرف أيضا التصميم الداخلى أنه، فن معالجة الفراغ أو المساحة بكافة أبعادها، بطريقة تستغل عناصر التصميم جميعها على نحو جمالى يساعد على العمل داخل المبنى.
ومنا هنا يظهر أسباب الحيره عند الجمهور، فهل التصميم الداخلى فن يخضع فقط لمعايير الجمال؟ أما انه علم ومعرفه يخضع للحسابات والقياسات؟ وحتى لا ادخلك فى جدليات لن تزيدك إلا إرتباكاً وحيره، فالتصميم بشكل عام هو العمليه التخطيطيه لشكل شئ ما، وإنشائه بطريقة هادفه، تشبع حاجة الإنسان نفعاً وجمالاً ، فى آن واحد.
التصميم الداخلي وقيود التكلفة
يظن بعض الجمهور، بأن الإعتماد على وجود مصمم داخلى يقوم بإعداد التصميم الداخلى لمنازلهم، سيزيد تكلفة التأسيس وخاصةً أن هذه التكلفة، تدفع مبكراً حتى قبل البدء بأعمال التأسيس، وعلي الرغم أن متوسط تكلفة التصميم الداخلى في الأغلب هي أقل من 2% فقط، وهي نسبه قليله جداً، إذا ماقورنت بحجم الإستفاده من وجود تصميم داخلى، فالتصميم الجيد فى وقتنا الحالى، لايعد صور ثلاثية الإبعاد تحاكى الواقع فقط، ولكن الرسومات التفصيليه والتوضيحيه والتنفيذيه التي تساعد في عملية حساب الكميات والخامات المطلوبه، حتى يمكن حساب التكلفه المتوقعه، بالشكل الذى قد ينتج أحياناً بعض التعديلات حتى على التصميم مره أخرى، للمراقبه والتحكم فى التكلفه للوصول إلى القيمه الإقتصادية المناسبة للعميل. بالإضافه إلى وجود نمذجة بالفراغ الفعلى للمنزل ثلاثية الأبعاد، تحاكى الواقع قبل التنفيذ ، وهو التطور الحقيقى والذى يجب الإستفاده منه لمعرفة رضا العميل، والتأكد من الطابع والذوق الشخصى له قبل البدء فى التنفيذ، ولك أن تتخيل الفرق بين تكلفة أن تقوم بتغيير لون حائط أكتشفت أنه غير مرضى لك أثناء مرحلة التصميم، وبين تكلفته فى الواقع؟
فحتى لو قررت أن تقوم بتأسيس منزلك بمجهودك الشخصى فقط، فأن وجود تصميم جيد ومتكامل سيساعدك بشكل كبير فى الإتفاقات مع الموردين والحرفيين، ومعرفة تكلفة الخامات والمواد المطلوبة لكل مرحلة, بذلك سيكون الجميع على علم بطبيعة أعمالهم، وفي نفس الصورة، بالشكل الذى سيقلل حتما من مخاطر زيادة التكلفة، أو الوقت، أو كلاهما.
التصميم الداخلي وتحديات الو،قت
ومن التحفظات التي تتراود فى أذهان الجمهور، هو الزمن.
فقد تستغرف مدة التصميم من شهر إلى شهرين حسب طبيعة العمل المطلوبه، ولذا يظن البعض أنها تعتبر مدة تأخير حيث تعوق عن البدء فى أعمال التنفيذ والتعاقدات، حيث يفضل عدم بدايتها إلا بعد الإنتهاء من التصميم.
ولكنى أود أن ألفت النظر أن التصميم هو فى الأصل، عمليه تخطيطيه للزمن، فبمعرفة المهام والكميات وحجم وطبيعة العمل، يمكن التخطيط الإستباقى للتداخل بين الأنشطة المتنوعه دون التأثير علي الجودة، بالإضافه إلى أن وجود تصميم قبل مرحلة التنفيذ، يقلل من حجم واحتمالية التغييرات أثناء مرحلة التنفيذ، والذى بدوره له أثرعلي التحكم ومراقبة الوقت.
قد يستغرق البعض في تداول فكرة تاسيس المنزل سنوات، وبمشيئه الله يسكن فيه سنوات عديده أخرى، أتتصور بأن شهرين لإخراج تصميم مُحكم قد يكون له التأثير على مجموع كل هذه السنوات؟!
التصميم الداخلي ولماذا؟
طبيعة الإنسان أنه يألف الأشياء إذا اعتادت عينه عليها، فما هو مبهراً فى الجمال لن يستمر هكذا مع الزمن، ولذا ستظهر قيم و مفاهيم مثل الإستدامه ، وجدليات الشكل والوظيفه والجمال، وعلى الناحيه الأخرى مازال يظن البعض بأن ملئ المنزل بكل ماهو مبهر،شيئ جميل، وأن يظلوا باستمرار فى تزين المنزل وزخرفته، رغم أن الزخرفه أصبحت مهنة منفصلة عن التصميم الداخلى فى منتصف القرن العشرين، فقد يبهرك أحيانا كمية الإضاءه والزخرفه فى بعض المنازل، ولكن على مستوى من عاشوا فيها، ستجد أن الأمر كان مبهراً عند مباركة الأهل والأصدقاء للمنزل، ومع الوقت أصبح الأمر غير مريحاً، فأنت ستقضى أوقات تحتاج لإضاءه خافته متوافقة مع الأنشطة والوظائف التى ستمارسها فى هذا المكان، وذلك حسب الأصول والمفاهيم الصحيحه لتوزيع الإضاءه، سواء عامه أوديكوريه، أومزاجيه.
يمكننا القول بأن المصمم الداخلي الناجح، هو من يوظف أساسيات ومفاهيم تصميميه معينه ، تعمل على تجميع أجزاء الفضاء الداخلى معاً، لصنع علاقات ممتعه بين الأجسام المتنوعه الموجوده، ولصنع حيز مُرتب ومرضى بصرياً وعاطفياً.
ومن بين هذه المفاهيم هى الوحدة ،المقياس والتناسب،التوازن، التناغم والتواتر،مركز النشاط ،بؤرة التركيز،الشكل والخطوط ،الملس، النقش،اللون، وغيرها، مع ملاحظة أن وصف هذه الأساليب لايعد قوانين محددة، ولكن خطوط إرشاديه للمساعدة فى تطوير المصمم الذاتى.
يجب أن تخطط للعيش فى البيت لا أن تفكر فى زخرفته وتزينه.
وتبقى
حقيقة، أنه فى السنوات العشر الأخيرة، زادت نسبة عدد المصممين الداخلين سواء كانو متخصيصين أوهواه فى وطننا العربى، وبدأ يظهر ثمار هذا الانتشار بعديد من التصاميم المحكمه والرائعه، عبر عديد من الوسائل التفاعليه والتى تساهم فى التغذيه البصريه للجمهور، بالإضافه إلى كونها أعمال ملهمه للمصممين الجدد، ومن المتوقع زيادة معدل الانتشار نتيجة رضا الجمهور ممن إستعانوا بالتصميم الداخلى بالفعل.
وتبقى دراسة التصميم الداخلى بشكل أكثر تخصصاً فى الجامعات العربيه، أحد التحديات والتي ستزيد من النمو فى الاعتماد عليه ، بينما يظل التحدى الأكبر فى كل هذا، هو المزج بين الفن والعلم بالشكل الذى لايطغى على الأسلوب الفنى والذوق الفردى لكل شخص، والبعد عن النماذج والقوالب، فالتصميم الداخلي يجب أن يبرز الهوية الثقافية ليعبر عن تفرد المقياس الإنساني لمفاهيم الذوق وفلسفة الجمال، فهو الإرث والإمتداد الحضارى للأنسان